هل هناك ضوابط لحرية الفكر ؟
العقل والفكر يحتاجان إلى مساحة ليتحركا فيها، وعلى قدر هذه المساحة تصبح حرية الفكر وبقدر
الحواجز الفكرية وضيق مسافة الحركة بقدر تقييد الفكر، والأصل في الإسلام حرية الفكر، وإنما يقيد عن
االات التي لا يعرفها ولا يحسنها، ويطلق فيما عدا ذلك، بل ويأمر المسلم بالتدبر والتفكر والتفقه، وهنا
يطرح سؤا ٌ ل: هل هناك حرية مطلقة للفكر بدون ضوابط في أي شرع أو في أي بلد ؟، الذي يبدو أنه
ما من شرعة في الدنيا ولا بلد في الدنيا إلا ويضع قيود على حرية الفكر إذ لا يمكن أن يترك العقل بدون
أي ضوابط، ثم أي عقل هو الذي يرجع إليه، ولتوضيح ذلك نضرب الأمثلة التالية:
المثال الأول: نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في العاشر من ديسمبر عام ١٩٤٨ م في
المادة رقم ( ٢٩ )، على أن "يخضع الفرد في ممارسة حرياته وحقوقه للحقوق التي يعينها القانون ".
المثال الثاني: نص إعلان حقوق الإنسان الفرنسي في حرية التعبير في المادة ( ١١ ) منه؛ حيث نصت
على أن "لكل مواطن الحق في حرية التعبير والكلام والكتابة والنشر، على أن يكون مسئولًا عن ذلك في
الحدود التي يضعها القانون ".
المثال الثالث: "الولايات المتحدة الأمريكية " لا تسمح بقيام حزب شيوعي ولا بحرية الدعوة إلى
الشيوعية.
المثال الرابع: بريطانيا لا تسمح بالدعوة إلى إلغاء النظام الملكي.
وهكذا جميع الدول الغربية تضع قيودا على الحرية.
إذًا فكل الدنيا تضع حدودا وضوابط للعقل البشري ، وإن اختلفت في شيئين رئيسين هما:
ما هي هذه الضوابط؟
وما مرجع وضع هذه الضوابط؟
وقد تحدثنا عن مرجع الفكر لدينا نحن المسلمون، وهو السؤال الأول والأخطر، وتحدثنا عن
التخبطات التي قد تسمى عقلية أو تنويرية وهي أقرب إلى التخبطات الذهنية والشطحات العقلية، والآن
نتحدث عن ضوابط حرية الفكر وضوابط تسويقها لدى أمم العالم ولدينا نحن المسلمون في شرعنا.
فوضى حرية الفكر بدون دين!
في إحصائية في أمريكا عن من يحدد المبادئ والأخلاق جاءت الأرقام كالتالي:
٩٣ % ليس هناك شخص يحدد الشيء الأخلاقي في حيام، بل هم يقررون ذلك بناءً على خبرام وأهوائهم ٭
بل أحيانا نزوام.
٨٤ % لديهم استعداد لمعارضة التعاليم الدينية الموجودة في ديانام. ٭
٨١ % خالفوا فعلًا بعض التعاليم الدينية لأا خاطئة من وجهة نظرهم. ٭
ضوابط حرية الفكر في الأنظمة العالمية:
عندما يتحدث عن ضوابط حرية الفكر وحرية تسويقه في العالم فإم يتحدثون عن الضوابط التالية:
١- القانون والنظام العام:
كما نص القانون العالمي لحقوق الإنسان الذي ذكرناه سابقًا، ولكن يبقى السؤال عن أي قانون
نتحدث؟.. القانون الأمريكي، أم المصري، أم الروسي...؟ أم ترك ذلك لكل دولة أن تحدد القانون الذي
يضبط ذلك؟! ويبقى أننا نحن المسلمون نرى كفر تحكيم غير شرع الله، وصدق الله: (أفحكم الجاهلية
يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون)[المائدة: ٥٠ ] ، ثم إذا لم يكن الاهتداء بوحي ونور الله
فهي تخبطات العقل فيما لا يستطيع أن يبلغه.
٢- السلامة العامة والصحة العامة:
إذ إن سلامة اموع وصحتهم أولى من سلامة الفرد وصحته ورأيه، وهو قريب إن لم يكن نفس
حد من عبر عنه بأن حريتي تنتهي عند حرية أو حقوق الآخرين، وسيأتي الكلام عنها.
٣- الآداب العامة والنظام الاجتماعي:
ثم اختلفوا ما هي الآداب العامة أو النظام الاجتماعي؛ فهي تختلف من دولة إلى دولة، ومن شعب
إلى شعب، ومن ذوق إلى ذوق؛ مما يجعل حد مثل هذا أقرب ما يكون للكلام منه للواقع، فمن الحرية
لدى بعضهم الأفكار التي ترتبط بالشذوذ الجنسي، ومن الحرية لدى بعضهم تسويق الأفكار المرتبطة
بالسرقة أو النهب أو...، فماذا يضبط أن ذلك من الآداب العامة أم لا إلا القانون سواءً كان قانونا
وضعيا حسب الأهواء أو قانونا شرعيا مستنير منور من الوحي؟
٤- حد الأمن القومي:
فهذا حد لحرية الفكر لديهم، ويكفي أن نمارس الإرهاب بتسمية ما لا نريد أو ما يخالف أفكارنا
إرهابا، ولنا بعد ذلك أن نصادر رأيك إن لم نصادرك أنت، ولدينا مستند فلقد تعديت على الأمن
القومي، ولذا تمنع أمريكا الدعوة إلى الاشتراكية أيام الحرب الباردة، كما تمنع الدعوة إلى الله باسم
الحرب على الإرهاب لحماية الأمن القومي !!، أما ما هو الإرهاب؟ وما حدوده؟ فليس لك الحق في
مناقشة ذلك، فقتل الأطفال والنساء في البيوت بل قتل شعوب كاملة محافظة على الأمن، وقتل أو جندي
محتل إرهابا يجب مقاومته!!
٥- حد حرية الآخرين:
فحريتي تقف عند حرية الآخرين، وحتى عند الاتفاق على هذا الحد، فقد يختلف الناس في حده،
فأين تقف حريتي مع حرية اتمع، فغلَّب قوم وركزوا على الحرية الفردية، فأعطوها حدود ما كانت لها
أن تبلغها دون اعتبار لصالح اتمع، فالبقاء للأقوى والأصلح ولنجعل الحياة تنتخب طبيعيا فارسها؛
فتحولت الحياة إلى غابة كبيرة، وبقدر ما تستطيع أن تأكل منها وتنهش فافعل، وغلَّب قوم آخرون حرية
اتمع حتى ألغوا حرية الفرد بل وألغوا صفاته الفطرية الطبيعية التي خلقها الله فيه وعاملوه كآلة تخدم
اتمع، كأنه ليس له تطلعات، فهدموا الفرد وحريته وبالتالي هدموا اتمع وحريته.
الضوابط الشرعية لحرية الفكر:
لا يمكن الحديث عن الضوابط الشرعية للأفكار وتسويقها بمعزل عن التأكيد على أن مرجعية
صواب الفكرة من عدمها ترجع للشرع كما تقدم، وغاية ما سنذكره هنا خطوط عريضة في ضوابط
الأفكار وتسويقها ويبقى لكل فكرة خصوصيتها التي يجب الرجوع فيها إلى المراجع الشرعية من أجل
الخروج بحكم شرعي خاص فيها، ومن الضوابط العامة:
التفكير فيما لا يدركه العقل:
فللعقل حدوده التي إن تجاوزها دخل في عوالم لا يدركها ولا يعقلها، فأي عقل يمكن – والعياذ
بالله – أن يكتشف صفات الله أو أن يعرف كنهها وإن كان ولا شك يفهم معناها، وأي عقل يستطيع
أن يعرف أخبار أو كنه حياة البرزخ أو الجنة والنار أو ما شابه ذلك، ولذا كان العلماء يسمون هذه
القضايا بالسمعيات، إذ مبناها على السمع والنقل لا على الرأي والعقل.
مخالفة النقل الصحيح أو ثوابت الدين:
سبق أن العقل الصريح لا يعارض النقل الصحيح بحال من الأحوال، ولا يمكن تخيل الخلاف بينهما،
لكن إن ظن شخص أما اختلفا في نظره وعقله وفهمه، فيجب عليه التأكد من أن النقل صحيح وفهمه
له صحيح، فإن ثبت ذلك فلا يمكن أن يخالفه العقل و إلا كان ما يراه صاحبه عقلًا هو مجرد رأي خال
من العقل، وكل من قال قولًا وسماه عقلًا تجد أنه يمكن أن يقال عكسه ويمنطق بطريقة أخرى ليقال: بل
هذا هو العقل، فلا يوجد ما لا يمكن منطقته بطريقة أو بأخرى.
حدود حقوق الأفراد الآخرين أو اتمع: